حرفة الزليج التقليدي
تعتبر حرفة الزليج التقليدي مهنة دقيقة ومعقدة تتطلب مهارات متميزة ودراية واسعة بمختلف مراحل الإنتاج قبل أن تصبح منتوجا نهائيا وبجودة عالية، وهي حرفة تقليدية فنية عريقة تعد من الأشكال الفنية الأكثر تعبيرا وارتباطا بالمعمار المغربي إذ صنفها بعض المعلمين القدامى بأنها أجمل وأحسن الحرف العربية تزيينا للبنايات كالدور الفخمة والقصور والمساجد وغيرها.
منبعها الرئيسي بلاد الأندلس، إذ تم نقلها عن طريق العرب المعلمين وخاصة الموركسيين الذين دخلوا المغرب واستوطنوا بعض المدن كمدينة فاس، التي أصبح اسمها مرتبطا بصناعة الزليج وداع صيتها في جل أقطار العالم لما تحمله هذه الحرفة من مواصفات الدقة والجمال تبهر الناضرين.>
انتاج مربع الزليج
إذتاج مربعات الزليج:
تبدأ هذه العملية بتهييئ مادة الطين الخام (خليط من الحجر الطيني الأزرق
والأصفر) عبر غطسها لمدة طويلة في الماء داخل أحواضء ليتم بعد ذلك عجنه قبل
وبعد تجفيفها بأشعة الشمسء تنقل هذه المربعات إلى أماكن قرب المحرف لتخزينهاء ويقوم
الصناع بتقطيعها حسب الشكل المطلوب» وتوضع بعد ذلك في أمكان لتجفيفها للمرة الثانية.
خلال هذه المرحلة يتم طهي مربعات أخرى داخل أفرنة (ما يناهز 8000 قطعة
مربعة)» وتتطلب هذه العملية اهتماما كبيرا من طرف الصانئع التقليدي, الذي يقوم بطهي
المربعات على مدى 24 ساعة إلى أن يتم إخراجها في اليوم الموالي.
موازانة مع هذه العملية يتم تلوين هذه القطع بخليط لا يعلم تركيبته إلا الصانع المعلم
لأن التلوين عادة ما يختلف بناء على طلب الزبون أو حسب المواد الأولية المتوفرة. بعد
ذلك يتم طهي المربعات للمرة الثانية» وبعد استخراجها يتم عزلها حسب اللون والطهي
الجيدين. وعادة ما تتم هذه المرحلة في موسم الصيف لكي يستفيد الصانع من سخونة
الطقسء ليتم تخزين أكبر عدد من المربعات خلال هذا الموسم قصد الاشتغال بها خلال
فصل الشتاء» كما أن الصانع ينتج بالأساس لفائدة الزبناء (المعلمين المكلفين بوضع الزليج)
الذين تكون طلبياتهم مرتفعة بين شهري مارس ويوليوز وهي المدة التي تشتغل فيها
الورشات الحرفية بوضع الزليج داخل البنايات.
تنحث المربعات من الطين المجفف يدويا بواسطة مطرقة حديدية مخصصة لهذا
الغرض تسمى "المنقاش" لتجزأ هذه المربعات إلى قطع صغيرة تسمى "الفرم"» هذه
الأخيرة تؤلف فيما بينها نسقا يستجيب لقواعد رسوم وخطاطات مطابقة للأصول وتحترم
كل قواعد هندسة الفن الإسلامي» وتتم هذه العملية عادة داخل ورشات أصغر من الورشات
الأولى وتشغل عادة عمال أو نقاشة يتمركزون داخل نفس الحيء» بغرض الاستفادة من قرب
الصناع المنتجين للمربعات» حيث يتم تقسيم العمل فيما بينهم» حيث يباشر كل حرفي
وظيفته التي يكررها باستمرار وفق نفس الحركة.
نقش المربعات الى شكل قطع هندسية صغيرة
” يقوم الحرفي الأول برسم وتسطير الأشكال الهندسية للقطع المراد نقشها على
المربع.
” في المرحلة الثانية تقطع المربعات حسب التسطير ويتم النقش وفق تجربة عالية
لاستغلال مساحة المربع بأكملها والحد من الكسور.
” في المرحلة الثالثة والأخيرة يتكلف الحرفي بنقش الفسيفساء على شكل "بيزو"
لتتم عملية الوضع بطريقة عادية.
وتجدر الإشارة إلى أن طرق نقش الأجزاء الصغيرة ذات خصوصيات تتطلب تقنيات
خاصة لا يعرفها إلا المتمرس عليهاء فطرق التقطيع والنقش هما مفتاح السر في هذه
الحرفة بالإضافة إلى مجموعة من الخصوصيات التي لا يمكن التوصل إليها إلا عبر
مجموعة من التجارب والمهارات التي تكتسب من ذوي الخبرات في المجال.
- الوضع النهاني لقطع الزليج (التفراش):
الحرفة» فالمعلم المتمرس يتصل مباشرة بالزبناء» يقترح الأشكال ويقوم بتقديم الطلبيات
الأجزاء المنقوشة "الفرم" وخاصة وجهها المصبوغ على الأرض الذي ينتقل تدريجيا من
الوسط إلى الجوانب» وهنا تتجلى مهارة الصانع التقليدي وتقنياته خاصة إذا ما علمنا أن متر
مربع من الزليج يضم ما بين 6000 إلى 8000 قطعة صغيرة.
فالتصميم يتوفرعلى مقاييس مضبوطة يتطلب تقويمه تدريجيا حتى يمكن مطابقته مع
مقاييس الحائط. وعند انتهاء العمل على الأرضء يتم ملئ الشكل النهائي بمادة الجبس
والماء لتتماسك القطع فيما بينها» وذلك قبل صب مادة الإسمنت المسلح على طبقة سمكها 3 سنتيمتر
بعد هذه العملية يتم تقطيع الشكل على شكل "قوائم" وذلك قبل تماسك الاسمنت فيما
بينهاء ليتم الصاق هذه القوائم على الحائط مع إبعاده عنه بخمسة سنتيمترات حتى يتسنى
للصانع المعلم صب مادة الإسمنت المسلح مرة ثانية بين هذه القوائم والحائط للتتماسك معه»
وتتم كل مرحلة من هذه المراحل داخل ورشات مستقلة بعضها عن بعضء تسير من
طرف المعلم أو رب الورشة الذي يشغل عادة ما يقارب خمسة حرفيين ويشتغل في عدة
أوراش في آن واحد.
خلت» وذلك يكمن سره في المهارة الحرفية والدراية بقواعد الحرفة التي تعد باكورة ونتاج
مراحل من التعلم والتتلمذء وهذا ما بوأ الزلايجي الفاسي سمعة كبيرة في أوساط المهنة
سواء بالداخل أو الخارج» إذ استطاع الحفاظ على طابع الزليج الفاسي سواء تعلق الأمر
بكيفية صناعته أو أشكاله رغم تغيرات العصر والأذواق.
ولازالت هذه الحرفة تستقطب اهتمام الفنانين التشكيليين والمهندسين المعماريين
وعشاق الأصالة الحرفية والإبداع والتراث المغربي العريق.